سورة الفرقان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)}
الراجح إلى الموصولين محذوف، يعني: وعدها المتقون وما يشاؤونه. وإنما قيل: كانت، لأن ما وعده الله وحده فهو في تحققه كأنه قد كان. أو كان مكتوباً في اللوح قبل أن برأهم بأزمنة متطاولة: أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم.
فإن قلت: ما معنى قوله: {كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً}؟ قلت: هو كقوله: {نِعْمَ الثواب وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف: 31] فمدح الثواب ومكانه، كما قال: {بِئْسَ الشراب وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29] قدّم العقاب ومكانه لأنّ النعيم لا يتمّ للمتنعم إلاّ بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد والشهوة، وأن لا تنغص، وكذلك العقاب يتضاعف بغثاثة الموضع وضيقه وظلمته وجمعه لأسباب الاجتواء والكراهة، فلذلك ذكر المصير مع ذكر الجزاء. والضمير في {كَانَ} لما يشاؤون. والوعد: الموعود، أي: كان ذلك موعوداً واجباً على ربك إنجازه، حقيقاً أن يسئل ويطلب، لأنه جزاء وأجر مستحق. وقيل: قد سأله الناس والملائكة في دعواتهم: {رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} [آل عمران: 194]، {رَبَّنَا ءاتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الاخرة حَسَنَةً} [البقرة: 201]، {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التى وَعَدْتَّهُمْ} [غافر: 8].


{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)}
يحشرهم. فيقول: كلاهما بالنون والياء، وقرئ: {يحشرهم}، بكسر الشين، {وَمَا يَعْبُدُونَ} يريد: المعبودين من الملائكة والمسيح وعزير.
وعن الكلبي: الأصنام ينطقها الله. ويجوز أن يكون عاماً لهم جميعاً.
فإن قلت: كيف صحّ استعمال {مَاْ} في العقلاء؟ قلت: هو موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم، بدليل قولك- إذا رأيت شبحاً من بعيد-: ما هو؟ فإذا قيل لك: إنسان، قلت حينئذٍ: من هو؟ ويدلك قولهم (من) لما يعقل. أو أريد به الوصف، كأنه قيل: ومعبوديهم، ألا تراك تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد؟ ما زيد: تعني: أطويل أم قصير؟ أفقيه أم طبيب؟ فإن قلت: ما فائدة أنتم وهم؟ وهلا قيل أضللتم عبادي هؤلاء، أم هم ضلّوا السبيل؟ قلت: ليس السؤال عن الفعل ووجوده، لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن متوليه، فلا بدّ من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام، حتى يعلم أنه المسؤول عنه، فإن قلت: فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسؤول عنه، فما فائدة هذا السؤال؟ قلت: فائدته أن يجيبوا بما أجابوا به، حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم، فيبهتوا وينخذلوا وتزيد حسرتهم، ويكون ذلك نوعاً مما يلحقهم من غضب الله وعذابه، ويغتبط المؤمنون ويفرحوا بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفاً للمكلفين. وفيه كسر بيّن لقول من يزعم أن الله يضلّ عباده على الحقيقة، حيث يقول للمعبودين من دونه: أأنتم أضللتموهم، أم هم ضلوا بإنفسهم؟ فيتبرؤون من إضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين، ويقولون: بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم، فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشكر، سبب الكفر ونسيان الذكر، وكان ذلك سبب هلاكهم، فإذا برأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منه، فهم لربهم الغنيّ العدل أشدّ تبرئة وتنزيهاً منه، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها. وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة، فشرحوا الإضلال المجازي الذي أسنده الله تعالى إلى ذاته في قوله: {يُضِلُّ مَن يَشَاء} [الرعد: 27]، [النحل: 93]، [فاطر: 8] ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا: بل أنت أضللتهم. والمعنى: أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق؟ أم هم ضلوا عنه بأنفسهم؟ وضل: مطاوع (أضله) وكان القياس: ضلّ عن السبيل، إلاّ أنهم تركوا الجار كما تركوه في هذه الطريق. والأصل: إلى الطريق وللطريق. وقولهم: أضلَّ البعير، في معنى: جعله ضالاً، أي ضائعاً، لما كان أكثر ذلك بتفريط من صاحبه وقلة احتياط في حفظه، قيل: أضله، سواء كان منه فعل أو لم يكن {سبحانك} تعجب منهم، قد تعجبوا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون، فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه.
أو نطقوا بسبحانك ليدلوا على أنهم المسبحون المتقدّسون الموسومون بذلك. فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده؟ أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد، وأن يكون له نبيّ أو ملك أو غيرهما ندّاً، ثم قالوا: ما كان يصحّ لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحداً دونك، فكيف يصحّ لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك. أو ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما تولاهم الكفار. قال الله تعالى: {فقاتلوا أَوْلِيَاء الشيطان} [النساء: 76] يريد الكفرة وقال: {والذين كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت} [البقرة: 257] وقرأ أبو جعفر المدني: نتخذ، على البناء للمفعول. وهذا الفعل أعني (اتخذ) يتعدى إلى مفعول واحد، كقولك: اتخذ ولياً وإلى مفعولين كقولك: اتخذ فلاناً ولياً. قال الله تعالى: {أَمِ اتخذوا الِهَةً مّنَ الأرض} [الأنبياء: 1] وقال: {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً} [النساء: 125] فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو {مِنْ أَوْلِيَاءَ} والأصل: أن نتخذ أولياء، فزيدت {مِن} لتأكيد معنى النفي، والثانية: من المتعدي إلى مفعولين. فالأول ما بني له الفعل.
والثاني: {مِنْ أَوْلِيَاءَ}. ومن للتبعيض، أي: لا نتخذ بعض أولياء. وتنكير {أَوْلِيَاءَ} من حيث أنهم أولياء مخصوصون وهم الجنّ والأصنام. والذكر: ذكر الله والإيمان به، أو القرآن والشرائع. والبور: الهلاك. يوصف به الواحد والجمع: ويجوز أن يكون جمع بائر، كعائذ وعوذ.


{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)}
هذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة، وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونحوها قوله تعالى: {يََأَهْلَ الكتاب قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جاءكم بشير ونذير} [المائدة: 19] وقول القائل:
قَالُوا خُرَاسَانُ أَقْصَى مَا يُرَادُ بِنَا *** ثُمَّ الْقُفُولُ فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا
وقرئ: {يقولون} بالتاء والياء. فمعنى من قرأ بالتاء فقد كذبوكم بقولكم أنهم آلهة. ومعنى من قرأ بالياء: فقد كذبوكم بقولهم: {سبحانك مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء} [الفرقان: 18].
فإن قلت: هل يختلف حكم الباء مع التاء والياء؟ قلت: إي والله، وهي مع التاء كقوله: {بَلْ كَذَّبُواْ بالحق} [ق: 5] والجار والمجرور بدل من الضمير، كأنه قيل: فقد كذبوا بما تقولون: وهي مع الياء كقولك: كتبت بالقلم. وقرئ: {يستطيعون} بالتاء والياء أيضاً. يعني: فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم. وقيل: الصرف: التوبة وقيل: الحيلة، من قولهم: إنه ليتصرف، أي: يحتال أو فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب، أو أن يحتالوا لكم. [{وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ، نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً}] الخطاب على العموم للمكلفين، والعذاب الكبير لاحقٌ بكل من ظلم، والكافر ظالم: لقوله: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] والفاسق ظالم. لقوله: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} [الحجرات: 11]. وقرئ: {يذقه} بالياء. وفيه ضمير الله، أو ضمير مصدر يظلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8